المشاكل التي تواجه الشباب عند الزواج: تحليل شامل للأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والنفسية

يُعدّ الزواج محطةً أساسية في حياة الإنسان، فهو ليس مجرد ارتباط بين شخصين، بل مؤسسة اجتماعية واقتصادية ونفسية تتطلب قدراً كبيراً من الوعي والاستعداد. ومع تزايد التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المجتمعات العربية والعالمية، برزت مجموعة من التحديات الحقيقية التي تواجه الشباب المقبلين على الزواج، تتنوع بين ما هو مادي وما هو ثقافي وسلوكي، لتشكل في مجملها عقبات قد تؤدي إلى تأخير سن الزواج، أو حتى نفور البعض من فكرة الزواج بشكلٍ كلي.

أولاً: العوائق الاقتصادية

1. ارتفاع تكاليف الزواج

أحد أبرز وأهم العوائق التي يواجهها الشباب في الوقت الحاضر هو ارتفاع تكاليف الزواج بشكل غير مسبوق. تتضمن هذه التكاليف المهر المرتفع، مصاريف حفل الزفاف، تجهيز منزل الزوجية، الهدايا، الملابس، والتنقلات، مما يثقل كاهل الشباب ويدفع بعضهم إلى الاستدانة أو العمل لفترات طويلة قبل الإقدام على هذه الخطوة.

2. البطالة وقلة فرص العمل

تعاني فئات واسعة من الشباب من البطالة أو من عدم الاستقرار المهني، الأمر الذي يجعل من مسألة الادخار للزواج أمراً شبه مستحيل. حتى من يجدون عملاً، فإن تدني الرواتب لا يكفي لتلبية متطلبات الزواج وتأسيس أسرة، خاصةً في ظل التضخم المستمر وغلاء الأسعار في كثير من الدول.

3. غياب برامج دعم الزواج

في العديد من الدول، لا توجد برامج فعّالة لدعم الشباب الراغبين في الزواج سواء من خلال تقديم قروض ميسرة أو تسهيلات حكومية، ما يجعل الزواج مسؤولية فردية يتحملها الشاب وحده، دون دعم مجتمعي أو مؤسسي، وهو ما يؤدي إلى تأخر سن الزواج بشكل ملحوظ.

ثانياً: التحديات الثقافية والاجتماعية

1. الشروط التعجيزية من الأهل

في كثير من المجتمعات، لا تزال بعض العادات والتقاليد تحكم شروط الزواج، حيث يشترط بعض أولياء الأمور مهوراً مرتفعة، أو حفلات زفاف فخمة، أو تجهيزات منزلية بمواصفات معينة، دون النظر إلى قدرة الشاب الحقيقية، مما يخلق حاجزاً نفسياً ومادياً أمام الزواج.

2. الفجوة بين الأجيال

غالباً ما تختلف الرؤى والتوقعات بين الأجيال القديمة والجديدة فيما يتعلق بالزواج والحياة الزوجية. ففي الوقت الذي يبحث فيه الشباب عن شراكة قائمة على المودة والتفاهم، قد تفرض الأسرة رؤيتها الخاصة على الشريك أو طريقة الزواج، مما يؤدي إلى توترات وصراعات قد تنتهي بعدم إتمام الزواج.

3. تدخل الأهل المفرط

تدخل الأهل في حياة الأزواج الجدد، خاصة في السنوات الأولى من الزواج، يُعتبر من أكبر مسببات الخلافات الزوجية. إذ يرى الكثير من الآباء والأمهات أن من حقهم المشاركة في قرارات الأسرة الجديدة، ما يعوق استقلالية الزوجين ويؤدي إلى مشاكل مستمرة.

4. التمييز الطبقي والمناطقي

يُعتبر التمييز على أساس الطبقة الاجتماعية أو الانتماء المناطقي من العوائق غير المعلنة التي يواجهها كثير من الشباب، حيث ترفض بعض الأسر تزويج بناتهم لشباب من طبقات أو مناطق مختلفة لأسباب تتعلق بالعرف أو الانتماء القبلي، دون النظر إلى أخلاق الشاب أو أهليته.

ثالثاً: تحديات نفسية وعاطفية

1. غياب النضج النفسي والاستعداد العاطفي

لا يمتلك كثير من الشباب النضج الكافي للتعامل مع متطلبات العلاقة الزوجية، مثل الصبر، وتحمل المسؤولية، والتواصل الفعّال، وحل المشكلات. الزواج ليس مجرد ارتباط عاطفي مؤقت، بل التزام طويل الأمد يتطلب توازناً نفسياً واستعداداً لتحمل الأعباء المشتركة.

2. تصورات مثالية غير واقعية

يتأثر كثير من الشباب، خاصة في عصر الإعلام الرقمي، بصور نمطية ومثالية عن الزواج يتم ترويجها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي والأفلام والمسلسلات، مما يجعلهم يصابون بخيبة أمل عند الاصطدام بالواقع، ويؤدي إلى نشوء فجوة بين التوقعات والواقع الفعلي للحياة الزوجية.

3. الخوف من الفشل

القلق من فشل العلاقة أو الطلاق يمثل هاجساً كبيراً لدى العديد من الشباب، خاصة في ظل ارتفاع نسب الطلاق في بعض المجتمعات. هذا الخوف قد يدفع البعض لتأجيل الزواج أو التردد في اتخاذ القرار، وقد ينجم عنه علاقات غير مستقرة تنتهي قبل الوصول إلى مرحلة الزواج.

رابعاً: التغيرات الاجتماعية الحديثة وتأثيرها

1. تغير أولويات الجيل الجديد

أصبح لدى كثير من الشباب توجهات جديدة تضع الأولويات المهنية والتعليمية والسفر وتطوير الذات فوق أولوية الزواج. لم يعد الزواج هو الهدف الأول كما كان في السابق، بل أصبح خياراً مؤجلاً أو مشروطاً بتحقيق أهداف أخرى أولاً، ما ساهم في تأخير الزواج أو الاستغناء عنه.

2. انتشار مفاهيم الاستقلالية الفردية

تعززت مفاهيم الاستقلالية الفردية لدى الشباب، وخاصة النساء، حيث باتت كثير من الفتيات يفضلن الاستقلال المادي والمعنوي قبل الإقدام على خطوة الزواج. هذه النزعة نحو الاستقلال قد تتعارض مع المفهوم التقليدي للزواج القائم على الشراكة وتقاسم الأدوار، مما يؤدي إلى سوء تفاهمات في العلاقات.

3. ضعف الوعي الأسري

في الكثير من المجتمعات، لا يتم إعداد الشباب للحياة الزوجية من الناحية النفسية والاجتماعية، إذ يغيب التوجيه الأسري والمدرسي حول كيفية إدارة العلاقات الزوجية، مما يؤدي إلى تفاقم الخلافات بعد الزواج بسبب ضعف المهارات الحياتية الأساسية مثل الحوار وحل النزاعات.

خامساً: الإعلام وتأثيره في صورة الزواج

يلعب الإعلام دوراً محورياً في تشكيل صورة الزواج لدى الشباب، حيث يعمد إلى تقديم أنماط غير واقعية للحياة الزوجية، إما من خلال تصوير الزواج كعلاقة مثالية خالية من الصعوبات، أو على العكس من ذلك، عبر تضخيم الخلافات والصراعات الزوجية. هذا التناقض يترك أثراً سلبياً في تصور الشباب لمفهوم الزواج، ويزيد من التردد والتخوف.

كما أن المحتوى الإعلامي الرقمي يعج اليوم بنماذج “المؤثرين” الذين يروجون لفكرة الحياة الحرة غير المقيدة، ما يرسخ في أذهان البعض أن الزواج قيد وتنازل عن الحرية، وهو تصور خاطئ ينشأ نتيجة ضعف التوازن الإعلامي في تقديم صور حقيقية ومتوازنة للعلاقة الزوجية.

سادساً: تأثير الهجرة والنزاعات على الزواج

في كثير من المجتمعات المتأثرة بالحروب أو النزاعات أو الهجرة، يواجه الشباب تحديات مضاعفة في موضوع الزواج، أبرزها:

• الانفصال عن العائلة ومصادر الدعم الاجتماعي.

• انعدام الاستقرار الاقتصادي والأمني.

• صعوبة إيجاد شريك مناسب في بيئة جديدة مختلفة ثقافياً ودينياً.

هذا النوع من الضغوط يُحدث تأثيرات نفسية واقتصادية واجتماعية معقدة، قد تؤدي إلى عزوف الشباب عن الزواج بشكل دائم أو طويل الأمد.

سابعاً: المقارنة الاجتماعية وتأثيرها السلبي

يُعدّ الانخراط المستمر في المقارنة مع الآخرين من أكثر العوامل المسببة للإحباط بين الشباب المقبلين على الزواج. فمواقع التواصل الاجتماعي، وما تعرضه من حفلات زفاف فخمة، ومنازل مجهزة بأحدث الوسائل، ومظاهر البذخ في المعيشة، تدفع كثيراً من الشباب للشعور بالنقص، وتؤدي إلى تأجيل الزواج لحين القدرة على مجاراة هذه المظاهر، وإن كانت غير ضرورية في جوهر الزواج الحقيقي.

ثامناً: الحلول المقترحة لمواجهة هذه التحديات

المصادر

1. أبو زيد، أحمد. الزواج في المجتمعات العربية: تحديات العصر ومتغيراته. القاهرة: دار الشروق، 2020.

2. منظمة العمل الدولية، تقرير عن بطالة الشباب في المنطقة العربية، 2022.